Thursday, December 31, 2009

ما اشبه اليوم بالبارحة ... ساعة عدل واحدة

يحاول الدكتور سيسيل ان يشرح للمجتمع الغربي الذي يوجه له هذا الكتاب ما هو تاريخ مصر و ما هي حالة الفلاحيين المصريين باستفاضة فعلا تجعلك تنتقل هناك , فعل توثيق غير مقصود لتلك الحقبة التي اسمع كثيرين من المتشدقين بالملك و ايام الملك و انها كانت افضل مما تلاها , لاعلم انهم فعلا اناس غير موضووعيين و لا يهمهم الا مصلحتهم و ليست مصلحة الشعب ككل

يكفي انه يقول انه لم تكن توجد مياه للشرب و انه في مرة اخبره الامير محمد علي ولي عهد مصر انه كان يركب مركب نيلي الي الاسكندرية و رأي بنفسة جاموسة غارقة في الماء - علما ان تلك الترعة تغذي مدينة الاسكندرية باسرها و تمدها بالماء العذب - و بعد اسبوع كامل لاحظ ان الجاموسة لازالت في مكانها لكن بجوارها كلب ميت كأنما اتي ليؤنس وحدتها . ابلغ كل الجهات المسؤولة بهذا الامر و لكن لا حياة فيمن تنادي


يقول ان طعام الفلاح عبارة عن خبز مخلوط بالذرة او اقمح او الحلبة و يبلع هذا بكوب من الشاي الاسود ثم يذهبون الي الحقل و يقطفون ما قيمته مليما من خضار يشبة الخص ( يقصد الفجل ) و احيانا يأخذون معهم قليل من العدس او الفول و هذا مع شرب الماء يمثل الغذاء , بعض العمال يأخذون معهم شرش مملح ينتج بعد صناعة الجبن ملئ بالديدان التي تتقافز و تتراقص ( بقصد المش) و عدن العودة في المساء يتناولوا عشاء يشبه افطارهم تماما و ربما يأـكلون نوع من الخضروات المفروكة التي تشبة السبانخ ( بقصد الملوخية ) تطبخ لتصبح شوربة خضراء كثيفة . اما الاطفال فانهم ما ان يفطمون حتي يفقدون اوزانهم ليموتوا , و تبلغ وفقات الاطفال في مصر الثاني علي مستوي العالم


يقول ان المجتمع الانجليزي في مصر كان لا يهمه ولا يعنيه ما يحدث للفلاحين , بل يكتفون بعضوية نادي الجزيرة الذي هو حسب تعبيره قطعة حقيقية من اوروبا حتي ان منزله في القاهرة كان يطل علي النادي و علي نهر النيل و كان يقول انه لا يوجد مكان في العالم بعذا الجمال لدرجة انه الف فيه قصيدة شعريه !!!!, و لكنه يعود و ينتقد بشدة الانجليز اذ انه لا يفهم ذلك الشعور العجيب الذي يسيطر علي الانجليز عندما يأخذون كل شئ من بلد ما ولا يعطونة اي شئ بل و يتعاملون بتعال ٍ و غرور حتي مع المثقفين و المهذبين من ابناء البلد و يقول انه لهذا السبب فالانجليز ليسوا محبوبين علي مستوي عالم , و يلاحظ ان الانسان الانجليزي لا يتقبل الدعابة و الفكاهة التي يمتلكها المصريين


يعجبني كثيرا في هذا الكتاب و شخصية الدكتور عموما انه لم يكتفي بالتجزئة و نقد اوضاع المستشفيات فقط بصفته طبيب , انما وسع الدائرة و ادرك ان الفساد السياسي و غياب العدل و عدم الحرية هي من اهم الاسباب التي ادت لهذا الحال المتدهور في المستشفيات المصرية , و هذا يدل فعلا علي جودة التعليم الذي تلقاه هذا الطبيب و التي جعلت منه فعلا انسان صالح قادر علي الرؤية العميقة الغير سطحية للامر , فالكثيرين قد يفضلون فقط ان يستعرضوا و يستفيضوا في شرح المهازل الطبية فقط لا غير و لا يهتمون لاي شئ اخر و هي نقطة مفيدة للغاية لانها من ناحية اخري تفيد التأريخ الذي يكاد يكون غامض عن تلك الفترة المهمة في تاريخ مصر المعاصر



يحكي عن الفساد الضارب في اعماق السياسة المصرية , يقول عن النحاس باشا انه صديق عظيم لانجلترا و مطيع لكل رغبات السفير , حتي انه يذكر ان الدبابت الانجليزية حاصرت الملك لاجبارة لاعادة النحاس باشا للرئاسة الحكومة و الا خلعتة من منصبة فاذعن الملك مضطرا , يذكر انه كان يصرف مصاريف طائلة علي الاحتفالات و تسمي حفلات الشاي بديلا عن احتفالات الكوكتيل المنتشرة في انجلترا , و لكنه يقول انه لم يشاهد ابدا مصري يعود اخر الليل مترنحا من الخمر و ذلك لانها محرمة طبقا للشريعة الاسلامية , و و هذا كما يقول شئ يدعوا اي دولة في العالم ان تفتخر به ... و لكنها كانت تقطتع مصاريف تلك الاحتفالات الصاخبة الباهظة من خزينة الدولة , و يقول ان الفساد الاداري كان منتشر للغاية , فيكفي ان يترك احخدهم منصبة حتي تنفجر فضيحة ماليه ( اعتقد انهم تعلموا الدرس تلك الايام و اصبح لا احد يغادر منصبه حتي لا تتفجر الفضائح المالية :))



يروي ان مكرم عبيد باشا هو الانسان المخلص السياسي الذي وجده , وقد قام باصدار كتاب مصر الاسود الاول ( لان الكتاب الذي نتناوله هو كتاب مصر الاسود الثاني :) ) الذي صودر بمجرد صدورة , و يروي انه قام مكرم باشا بضربة معلم لانه كان يعلم ان الحكومة ستقوم بمصادرته ان عرفت ان هناك كتاب تحت الطبع ينتقد فيه الحكومة , و هذا بان ارسل نسخة مزورة من الكتاب لمطبعة مشهورة في القاهرة و ارسل نسخة حقيقية لمطبعة في الصعيد و حين اكتمل الامر اعلن انه سيصدر كتابه من دار النشر الفلانية في اليوم الفلاني فذهبوا و صادروا نسخ الكتاب المزورة و اثناء ذلك وصلت نصف دستة عربات تحمل الكتاب الاصلي و وجد كل وزير نسختة علي مكتبة و جن جنون الجميع بل و يقال ان هناك نسخ وصلت فلسطين و بلاد عربية اخري


كانت فضيحة مدوية و طالب السفير البريطاني من النحاس باشا ببيان ليحقق في هذا الامر , و يقول ان الحكومة ردت علي الاتهامات بشكل سخيف و لا يقنع احد , فالطبقة المتعلمة في مصر تكتشف بسهولة هذا الاسلوب الخادع و تسخر منه فالوزراء يملؤون افواههم بكلمات منمقة معسولة و الشعب يضحك في عبه .


و يقول انه من ضمن الفضائح الطيفة التي حدثت , استيراد معاطف الفراء للسيدة زوجة النحاس باشا , و من المعروف انها من اشيك نساء الشرق علي الاطلاق , فكان قد ابرق النحاس باشا للسفارة المصرية في لندن ان تشتري له خمس معاطف نسائية من فراء الثعالب الثمين قيمة الواحد 500 جنية استرليني ( هذا الملبغ لا يزال عالي في عصرنا المعاصر ,فما بالكم بعصرهم !!!!!) و لكنه نفي النحاس باشا هذا الادعاء و قال انه اوصي بشراء معطفين فقط قيمة كل منهما 14و 16 جنيها استرلينياً ... و لكن يقال انه عندما عاد النحاس باشا لمنزله فوجئ بعاصفة من زوجتة لانها تقول انه فضحها وسط الناس , فكيف يؤكد للناس انها تلبس معاطف قيمة الواحد منهم 14 او 16 جنيها استرلينيا فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! هذه فضيحة لها , و هزت هذه الواقعة الطريفة مصر من اساسها



يقول انه للاسف بعدما مرت الايام صدر بيان برلماني بطرد مكرم عبيد باشا منه لان ماقالة مجرد ادعائات رخيصة و هو مخالف للدستور . و اودع في السجن ... حدث هذا في مايو 1944 و لكن عندما اقيلت حكومة النحاس اكتوبر 1944 اخرج مكرم عبيد من السجن و اعيد لمنصبة كوزير للمالية في حكومة احمد ماهر باشا و لكن لسوء الحظ اغتيل هذا الرجل بعد توليه منصبه لاسابيع قليلة فاعتزل مكرم عبيد الحكومة... و يقول لاجل هذا كله استمرت مصر في كبواتها المتتاليه


, و يقول انه عرض في كتابه هذا عرضا مذهلا لكل مناحي الفساد المستشري و لم يكن احد ليراجعه لانه وزير المالية ,



Wednesday, December 30, 2009

الطب الاكلينيكي ... ساعة عدل واحدة



روادتني في فترة انه لماذا لن تكتب مسلسلات طبية علي غرار ما يحدث في الخارج و لكن يكون التناول مصري بحت و يمكننا ان نوصل فيه رسالة ما .... طبعا تبخر هذا الامر عندما قرأت في تاريخ الطب المعاصر المصري

الغلاف الاسود للكتاب فعلا مناسب للغاية للحالة التي يمكن ان يقرأ بها اي انسان مصري هذا الكتاب , انه تأريخ حي لواقع مر عليه اقل من قرن من الزمان ... لا داعي للاطناب و لنجعل التعليق مجملا في النهاية


يحكي دكتور سيسل عن كيفيه قدومة للتدريس في طب القاهرة ( قصر العيني ) , تقدم لهذه الوظيف في اكتوبر عام 1936 , و قيل له انه عقد لمدة خمس سنوات قابله للتجديد , و لكن ما ان قبل تعيينه اخبروه انها غير قابله للتجديد !!! و عندما رفض و اخبر كليته بهذا الامر اخبروه انه ان رفض الوظيفة سوف يعينون مصريا و هم لا يرون ان كناك مصريين اكفاء لنيل منصب مدرس الطب الاكلينيكي ( يعني مجازا عملي الطب ) و انتظر مراسلات من عميد كليه طب القاهرة .... و فوجئ انه مرت اسابيع و شهور و لم يحدث شئ !!!!!

بعد سته اشهر كامله من المراسلات المستمرة وصله خطاب من عميد طب القاهرة ( علي ابراهيم باشا ) بضرورة حضورة للقاهرة فورا ( وصل القاهرة في 28 مايو 1937) يقول انه لم يتحمل حرارة جو القاهرة الخانق حتي انه يذكر انه يضطر لتغيير ملابسة الداخلية 4 مرات اثناء النهار و مثلهم في الليل !!!!! ( لم تكن التكييفات كانت قد ظهرت بالطبع ) و يقول ان الطبقة المرفهة في مصر كانت تهرب من حرارة الجو و يقضون اشهر الصيف في اوروبا , و لكنه قرر ان لا يضيع اي وقت و ليبدأ التدريس في الحال

قيل له ان دكتور علي ابراهيم باشا انه من اعظم الرجالات المصريين و نفوذه بلا حدود و محبوب من الجميع لبراعته الجراحية

يقول انه وجد مفاجئة سارة و غريبة , ان هؤلاء الشباب ( طلبة كلية الطب ) كانوا فعلا ممتازين و مماثلين لمن كنت ادربهم في مستشفي سانت ماري و اثنين بارعين , و كان هناك تناغم تام بيني و بين كل الطلبة باستثناء طالب واحد عرفت فيما بعد انه ابن عميد الكلية ... كان خلوق و مهذب و لكنه لم يكن يهتم بالطب الاكلينيكي لانه كان يريد فيما يبدوا ان يصبح مثل ابيه جراحاً .... و في نهاية الفصل الدراسي دفعه الاهتمام ان يكتب للعميد عنه , مخبرا اياه بان ابنه سيواجه مصاعب في اجتياز الامتحان النهائي ان لم يبدي اهتمام اكثر بالدراسة ... و يقول ان هذه كانت غلطة العمر بالنسبة له .... فلم يستوعب العميد مقصده النبيل و بدا كأنه رافض تماما لاي كلمة نقد توجه لاحد افراد عائلته .


يقول انه عندما تأمل احوال الطلبة وجدهم جيدين للغاية و لكنهم لم يأخذوا اي تعليم حقيقي عملي فهم لا يعرفون اي مستحدثات في الطب , ولا يكادون يعرفوا طرفي السماعة ,,, و يقول الدكتور انه كان لابد له من بذل اهتمام اكثر مع هؤلاء ... يذكر ان احد المدرسين حديثي التخرج يقول انه اثناء دراستة بكليه لم تتح له ابدا فرصة دراسة الطب الاكلينيكي علي الجسم البشري , و لكن كل المعلومات التي حصل عليها كانت عن طريق الرسوم التي تنقش علي السبورة في احد ممرات قصر العيني

كان يقول لهم في الطب انه لا فارق بين الباشا و الفلاح و لابد ان يتعاملون من الجميع علي انهم اباء او اخوة او اخوات او امهات او ابناء او بنات لهم ... لان جسم الانسان هو معبد الاله الحي , لابد ان ننظر اليه و نعامله علي انه مخلوق مقدس .... و يقول انه في مرة بعد انتهاء المحاضرة جائة طالب و سئله لماذا لم يعلموننا من قبل ما تقول ؟؟؟هناك ما يؤكد اقوالك من نصائح رسول الاسلام الذي قال ليس مؤمنا من لا يحب لاخية ما يحب لنفسه "

يقول ان لكل شئ رتم و نغمة فكل صوت داخل جسم اتلانسان له ايقاعة الذي يميزه و لو حدث به عطب لتغيرت نبرة الصوت ... و ان لم تتمكن من التعغرف علي التغيير في تلك النبرات لن تتمكن من معرفة الداء و تشخيصة بشكل سليم و بالتالي لن تصف الدواء السليم


يقول الدكتور ,,, ان الطالب المصره له ميزة تفضل علي الطالب الاوروبي , له ذاكرة ممتازة , هذا يعود الي اجدادة الذين كانوا يحفظون القران شفاها, و يحفظونة من البداية الي النهاية عن ظهر قلب ... و لكن للاسف يبدوا ان مركز الذاكرة في ذهن الطالب نمى علي حساب قدرته علي تحكيم المنطق و كيفية الاستخدام العلمي المعلومة التذ ايتذهرها في ذاكرته العجيبة ... الصعوبة تنشأ من محاولتك كأستاذ ان تجعل الطالب يفكر و يمنق الاشياء , انهم يتوقعون دائما ان يقوم الاستاذ باستخدام ملعقة يسقيهم بها العلم ليحصلوا علي اكبر قدر من المعلومات باقل جهد ... يقول ربما لانهم كانوا محكومين منذ قرون كعبيد , ربما هذا قتل لديهم الابداع و الطموح و القدرة علي الاطلاع , علاوة علي ان مناهج الطب متأخرة اربعين عام علي الاقل مقارنة بنظيرة الاوروبي
( اربعين عام منذ 70 عام ... اعتقد ان الفارق تضاعف للغاية هذه الايام و ما نفعله في كلياتنا هو بعيد عن الطب الحديث ) و لكن ما اعجبني برغم كل هذا ان الرجل متفائل , فهو يقول ان القدرات العقلية تتساوي مع الرجل الاوروبي , و انه بعد جيلين فان مستوي حضارتهم - يقصد مصر - ستتساوي مع احسن ما في الجنس الساكسوني الانجليزي ...

يذكر ايضا اننا فقط نفتقر الي دليل اخلاقي ثابت ... و لكنه يقول ان القران الكريم يرسي قواعد سليمة للاخلاق و القيم , و انها اذا اتبعت بدون التواء , سوف تنفي عن العرب ما يؤخذ عليهم من تصرفات غير سوية .....القانون الايماني ينص علي عبادة الله و رسولة و اقامة الشعائر و الحث علي الكرم و تقديم الزكاة و حفظ العدل و الرحمة و هو دائما مستعد لكسر تلك التعاليم كأنه غصن شجرة مشمش . فالضعف الاخلاقي لا يعود لفشل الاسلام و لكن بسبب اخفاقهم في اتباع تعاليمه .


يقول انه رسم علي جدار غرفته رسمتين ..." كتاكيت تنبش في الارض و عصافير صغيرة تنتظر في العش و تفتح فمها منتظرة للطعام " يقول ان الكتاكيت هي الطلبة الناجحة التي تفتش و تنبش و تبحث عن المعلومات , و صغار العصافير هم الطلبة الفاشلين الذين لا يريدون بذل اي مجهود فيما يتلقون ... و يقول ان الفكرة اعجبت للغاية الكلبة و طلبوا منه ان ينشروا تلك الصورة في مجلة الحائط و هو يقول ان هذه بادرة طيبة لانهم وضعوا ايديهم علي الخلل الموجود لديهم و سوف يعالجونه قريبا


يذكر ايضا ان هناك خاصية عجيبة لاحظها , انه عندما يذهب لفحص مريض عنده لغط في القلب مثلا يتجمع الطلبة حوله و يبدون عظيم الاهتمام , و ما ان يتركهم ليتفحصوا المريض و لو لربع ساعة يعود ليجدهم في الشرفة يتحدثون و لم يعرف ابدا فيما يتكلمون ... و يقول ان الطالبات يبدين اهتمام اكثر من الطلبة في الدراسة و تقصي الحالات اكثر من الطلبة , و هو شئ ادهشه كثيرا

ينتقد في وسط كلامه الاحوال السياسية للبلاد و حقا لا اجد ابدع من تلك العبارة لاختم بها الفصل الثاني من التلخيص

" طبقة البشاوات الغنية تتحكم في البلاد تماما , حكومة الوفد التي يرأسها النحاس باشا من المفترض ان تكون ديمقراطية و لكن بسبب الجهل و نقص التعليم اصبحت هذه الحكومة ديكتاتورية , فالنحاس باشا هو الحكومة .... الانتخابات في مصر ليست كذلك الا بالاسم فقط فالغصب و الرشوة منتشرين بشكل بشع , و اثناء انتخابات 1941 لم يدل خدمي او ممرضي المستشفي باصواتهم . قالوا انهم خائفين من الرجال المنصبين امام كل دائرة يراقبون اذا ادلي احد الناخبين بصوتة ضد الوفد فانه باشارة صغيرة تصدر لمجموعة من البلطجية خارج المكان يتلقي علقة ساخنة لن ينساها طوال حياته . "

Monday, December 28, 2009

ساعة عدل واحدة


اول مرة لن اتبع الاسلوب الذي اتبعه دائما و هو ان اتحدث عن الكتاب بعد ان انهيه في ملخص سريع و لكني احبب ان شارك الاصدقاء الاعزاء رحلة تصفحي لهذا الكتاب الذي اعتبره من اقيم ما كتب فعلا في مجاله ( ان كان هناك غيره اساسا قد كتب في هذا المجال )

هذا الكتاب كما هو واضح من تأليف اجنبي للدقة تأليف لدكتور عاش في مصر و عمل كطبيب فيها في الفترة 1937- 1943اثناء الحرب العالمية الثانية, كتب هذا الكتاب في ظروف قاسية في كينيا لكن ان تتخيلوا مدي انعدام الوسائل المتاحة هناك لدرجة انه اقترض مائدة للعب البريدج كي يتمكن من الكتابة , ذلك بعدما غادر الدكتور مصر و اسمي الكتاب بهذا الاسم نقلا عن فكرة اوحي له بها سكيرتير ولي العهد الامير محمد علي ( صاحب القصر المعروف في منطقة المنيل ) و التي استقاها من نبي الاسلام عندما اقل ان " ساعة عدل واحدة تعادل سبعون عاما ً من الصلاة المقبولة " مكتوب علي عنوان الكتاب انه الكتاب الاسود - و هناك كتاب اسود اخر ( اصدرة قبل هذا مكرم عبيد باشا حيث هاجم الفساد الذي ابتليت به الحكومة المصرية )في هذا الكتاب يرصد الدكتور اوضاع مصر في تلك الفترة , و يدافع بشكل مستميت عن الفقراء و الانسانية بشكل عام و هذا ما لفت نظري جدا و تقتضي الموضوعية و الامانة ان انقل هذا الشعور , المستعمر ليس عبارة عن كتلة شر دائم , قد تكون القيادة السياسية دائما شريرة او غير مسؤولة , و لكن ان نزلنا لمستوي الافراد ففعلا تجد ان هؤلاء الناس لم يأتي تقدمهم من فراغ ابدا , فنوعية الانسان و ما يؤمن به مختلفة تماما عن تناولنا و تعاملنا مع الاحداث .... لن اتطرق لهذا الامر كثيرا الان و سأتحدث عنه لاحقا ً يبدأ الكاتب الدكتور باستعراض لاحوال الطب في مصر و كيف انه مرتبط بشكل وثيق بمستشفيات التعليمية للكلية الملكية الانجليزية , و يذكر تاريخ انشاء تلك الكليات في انجلترا و كيف انها بدأت 1518 و يقول انها انشأت لكبح جماح الجهلاء و مدعي الطب و ردهم علي اعقابهم , اما كلية الجراحين الملكية فانشأت عام 1460 ولا يمنح عضوية تلك الكليات لاي تاجر او صيدلي او ذاك الذي يرفض نشر طبيعة العلاج الذي يستخدمة لان فيما مضي كانت تلك الاشياء تستخدم كنوع من تأكيد القوة و يجانبها كثير من الدجل و قليل من الحقيقة و العلم الصادق ينتقد الدكتور نظام كليته في انها لا تراعي الدقة في الاختيار لمن تمنحهم شهاداتهم , فلا يكفي العلم فقط بل لابد ان يكون انسان و شخص صالح و علي مستوي اخلاقي معين لان مهنة الطب مهنة مقدسة , و يري ان التفريط في هذا الامر لا يعطي صورة سيئة عن مستوي الكلية الملكية التي تشرف علي الاطباء في مصر , بل يؤثر و يعطي صورة مغلوطة عن انجلترا ككل !!!يحكي الدكتور صدمتة عندما توجه لمصر و فوجئ بان العلماء المصريين نادرا او ابدا ما يعترفوا بالجهود التي ساهم فيها مساعديهم بينما يحدث العكس في انجلترا , و يري ان مثل تلك الامور تثبط من عزيمة الشباب المصري و تقلل من حماسة للبحث و العمل يقول ان من رشحه للكرسي في تدريس الطب في الجامعات المصرية و اخبره بذلك د.الكسندر فلمنج ( مدير مساعد للمعامل الضخمة في مستشفي سانت ماري )



يقول انه استقال من وظيفتة كأستاذ للطب الاكلينيكي بجامعة فؤاد الاول بسبب الحالة المذرية للمستشفيات المصرية و استحالة تحقيق اي تقدم او اصلاح لها و يؤكد انه ثابر و كافح في تلك الفترة حتي نهايتها لدرجة ان صديق له اشفق عليه

و قال له انك تحتاج الي مسيح اخر كي يحقق لك المعجزة فرد عليه الدكتور و قال انني اخطط لبعث مليوني مسيح ليتعاملوا مع هذا الموضوع


ماذا فعل و ماذا ينوي ان يفعل الدكتور في هذا الامر


في التلخيصات المقبلة ان شاء الله اتناول مقتطفات لهذا الامر



علي فكرة فلمنج المذكور في قصتنا هذه , هو مكتشف البنسللين :)

Thursday, December 24, 2009

هوامش حول " ثلاثية غرناطة "




من اسرع الكتب التي قرأتها , و لاني لا انجذب الي الادب بشكل عام ولا اميل له ,فعندما انتهي من رواية بهذه السرعة فاعتقد انها فعلا رواية متميزة
هذه روايتي الاولي للكاتبة رضوي عاشور و اعتقد انها لن تكون الاخيرة , ربما ايضا ما جعلني اقبل عليها بهذه الطريقة تناولها لحقبة حزينة في تاريخنا - و لو تعلمون ان اغلب تاريخنا حزين مؤلم - و كأني اري تفاصيل الامس تتكرر اليوم و لكن بمفردات هذا العصر
و هذه الفترة تكاد تكون مهمشة ولا ندري منها الا الاسم فقط " ضياع الاندلس " و تلك الحقبة في الحقيقة امتدت في عمر البشرية حوالي ثمانية قرون فمن التقصير اغفال هذا الجزء المهم من تاريخنا ... و لكن للامانة ليس هذا هو الجزء الوحيد في التاريخ المسكوت عنه , فمن الواضح الان انه ان اردت ان تعرف الحقيقة لابد ان تبحث عن المعلومة بنفسك ولا تكتفي بما هو مقدم بشكل رسمي


تمتد هذه الرواية علي مدار عدة اجيال( ابو و ام جعفرو زوجة ابنهم الغائب و رعايتهم لاحفادهم سليمة و حسن , و رعايتهم الاستثنائية لنعيم و سعد ثم زواج كل من سليمة من سعد و حسن من مريمة و تتابع ميلاد الابناء لم ثم زواجهم و بعد دورة الحياة من ميلاد ووفاه نصل الي ان المنزل يخلوا الا من حفيد حسن و زوجتة مريمة علي ابن هشام ابن حسن و هو اخر فرع في هذه الاسرة )
و هذا النوع من السرد القصصي شيق للغاية فلا يجعل بطل واحد تدور حوله احداث الرواية , - اذكر قصة حديث الصباح و المساء لنجيب محفوظ كيف انها كانت جميلة جدا لانها تتبعت نفس اسلوب سرد الاجيالو ترصد التطور عبرهم - و هي هنا ترصد احوال البلد و المدينة و ما يؤول اليه مصير السكان عبر الزمن فهي تتبع التاريخ و لكن بشكل حي نابض , لا تكتفي فيه بذكر وقائع تاريخية صماء ( في عام 1590 اصدر الامبراطور الفلاني المرسوم الفلاني و سط ضجر من السكان ) لا بل تستشعر بانسانية اثر هذه القرارات و اثر الحروب في حياة النا س



تتبعهم الكاتبة في مدينة غرناطة granada وتصف لك معالم المدينة من حي البيازين و سقايين و الصنادقية و مناطق تتجمع فيها صناعات قديمة تذكرني بالقاهرة الفاطمية القديمة كما انها تبرع في وصف الحمام القديم ( و انا لم اري و لا حتي علي سيبل السياحة ) كيف يمكن ان يكون هناك حماماً عاماً و ان كنت اسمع ان هذا الامر لازال في بلاد المغرب العربي ,كما تذكر لك بالنسية و الحمراء و عين الدمع و طبعا تم تغيير اسماء هذه الاماكن باسماء قشتالية فاسبانية , لم يكن هذا التغيير من نصيب المدن وحدها بل برز هذا بوضوح في اختيارها لاسماء عربية في جيل اطفال حسن و سليمة ثم ذكر الاسمين العربي و الاعجمي بعد اجبار الاهالي علي اعتناق المسيحية و تعميدهم جبريا , ثم اصبحت تختار اسم مركب مثل ارناندو بن عامر و هي تشير الي ابناء العرب , ثم تحول تدريجيا الي خوسيه , و ايضا وجود ابطال مسلمين باسماء اعجمية مثل روبيرتو البطل


رصدت حياة ناس عاديين للغاية , ليسوا بابطال التحرير مثلا او من ينذرون حياتهم دفاعا عن القضية , بل هناك منهم من يزيد في الحرص ( مثل حسن ) و يريد ان يمشي بداخل الحائط ان امكن حتي يتجنب الشبهات و اثارة غضب المحتلين بحجة الدفاع عن بيته و اسرته ,و هناك من كان يحب الثقافة و الكتب مثل ابو جعفر و كان يريد ان يعلم الحفيدين اللقراءة و الكتابة و يجعل سليمة مثل نساء العلماء في قرطبة و لم يتحمل مشهد حرق تاريخ الاندلس في تجميعهم للكتب و حرفها فمات كمدا و هما و من مفارقات القدر ان حرقت ايضا حفيدته سليمة المحبة للعلم المعتده بنفسها مثلما حرقت كتبه .... كما ان سردها للاحداث لم يجئ بطئ او ممل انما كانت تنتقل بلقطات سريعة عبر السنوات لترصد ما تراه مهما من احداث فاصله وفي احيان اخري تمر علي شخصيات مرور الكرام ( مثل بنات حسن الخمس مثلا ) او ( متي و كيف تزوج هشام و متي انجب علي) و حتي و ان رصدت وقائع تاريخية فهي ترصدها و تضعها في سياقها العادي او شبه المهمل لرجل عادي , لا يكون ذكر تلك الاحداث الا مرة واحدة مثلما كان يستعرض تعيم لام جعفر ماذا حدث للعائلة المالكة فرديناند و ايزابيللا و مصير ابناءهم , ايضا ذكر ثورات المتمردين ضد الحكم القشتالي في الجبال و من يعاونوهم من المغرب او الاتراك في بعض الاحيان و علي استحياء ... ووجود اراء المنتفعين في كل زمن من ان تلك الثورات النضالية الحمقاء هي ما تعكر صفو رضا اهل قشتالة عن اثرياء العرب ... ووجود من يريدون ان يعيشوا هم و ابنائهم بسلام باي ثمن مثل حسن ليصدقوا تلك الاكاذيب ... و في النهاية فرض علي بالنسية - التي كانت تظن انها ستنجوا بنفسها فقط - ما فرض علي سائل الاقطار الاسلامية المهزومة , كما ان روبيرتو البطل هذا يمثل فئة قراصنة مسلمين ظلت بعد سقوط الاندلس فترة ليست بقليلة البحر المتوسط و كان معروف عنهم البأس و القوة

من بين الاشياء التي قرأتها ما بين السطور في تلك الرواية التي لا استبعد ان تكون احداث قريبة منها جدا حدثت في الحقيقة التالي :

المعاهدة سرية بين ابي عبد الله محمد الصغير و بين فرديناند و اييزابيللا لتسليم الحمراء و غرناطة , و هرب هذا الملك الخائن و ترك المدينة للقشتاليين
قول احدهم ان "الذي ضيعونا هم قاداتنا الغير مخلصون و غير محنكون "
عندما واجهت مريمة البلاء في سبيل الثورة قالت كلما كان المطلب غالي كلما كان الثمن فادحاً قصبرا ً
عندما نتأمل الجهود الفردية في الحفاظ علي الهوية المتمثلة في اللغة و الدين نجد انه كلما كانت سلطة الدولة قوية كلما ضعفت الهوية عبر الاجيال فالتنصير الذي كان صوريا في جيل مريم اصبح تدريجيا يتأصل في وجدان الابناء حتي كان علي هو الوحيد من بين اقرانه من يتحدث العربية و يستطيع قرائتها
تسائل علي المرير في نهاية القصة عندما تعلق بالقدس و ما حدث فيه من قدوان و غزو صليبي ثم تحريره و الهدية التي اخذها من عمر الشاطبي , تسائل ما الذي يتميز به القدس و ينقصهم ؟؟؟ هل لان القدس في قلب العالم الاسلامي و يجاورها مصر و الشام ؟؟؟ يتندر و يكره البحر الذي يفصلهم بقلب العالم الاسلامي ...
لم يستطع الافراد العزل ان يقفوا امام ما يحدث و خاصة ان الافراد بطبعهم لا يميلون الي الدفاع العسكري و الثورة , فهم يريدون الدعة و يميلون الي السكون و لا يريدون ان يدفعوا ما تقوله مريمة " كلما غلي المطلب غلي الثمن " و الدرس الذي تعلمته و ايقنته دوما ان الدفاع لا يغضب منك المحتل ابدا فهو يكرهك دائما , فقط يريد ان يوفر علي نفسه خسائر بشرية باقناعك بالعدول عن المقوامة و لكن هي الطريق الاشرف في رايي ضد اي عدوان ايا كانت قوته


بعض ما بقي من غرناطة



روابط لها علاقة للمزيد من الاطلاع علي الاندلس
اندلسيات