Tuesday, April 6, 2010

دفاع عن الانسان

سلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

عنوان الكتاب الذي انتهيت منه اخيرا هو " دفاعا عن الانسان " للدكتور المبدع عبد الوهاب المسيري

و لمن لا يعرف الدكتور المسيري فهو لديه اسلوبه الخاص " لا ابالغ ان قلت انه مؤسس لمدرسة فكرية في زمن انهي فيه تأسسي المدارس و اصبح يعاد صياغة القديم بشكل مستحدث " ثمل اللبرالية الجديدة و النيو كلاسيك
فمنهجه ببساطة بؤكد علي ان الانسان جزء يتجزء من الطبيعة , فهو ينتمي اليها بشكل مادي عضوي و لكنه ايضاُ يحوي بداخلة علي جزء غير مادي يتسائل دائما عن غاية و سبب وجوده .. و هو الجزء الالهي الذي نفخه الله فيه عند خلق ادم
و علي هذا الاساس فهو يرفض بشكل قاطع ان ندرس الانسان و ظواهره بالاسلوب او المنهج المادي الذي تخضع له الطبيعة و دراسة ظواهرها ( الطبيعة و المادة مترادفتان في منهج الدكتور المسيري ) فلا يمكننا تطبيق 1+1= 2 ابدا عند دراسة الظاهرة الانسانية ... لان كل الناس يجمعهم قاسم مشترك اغظم و لكن هناك اختلافات بينيه تفصلهم و تميزهم عن بعضهم البعض , قد يكونوا متشابهين في بعض الامور لكن لا يوجد ابدا اتين متطابقين تماما في كل شئ ...المنهج العلمي الاختزالي يختزل الانسان في بعد واحد فقط , و ينكر عليه بقية الابعاد الانسانية الاخري مثل العوامل الاجتماعية و النفسية و الدينية و تاريخية و ثقافية و السياسية ... الخ حتي يمكننا ان نصل الي الاسباب الحقيقية التي تؤثر علي سلوك انساني ما او لكي نصدر حكماً يتناول و يراعي في اعتباره كل جوانب الحقيقة

و علي هذا فأن كتاب " دفاعاً عن الانسان " يؤصل لهذا المبدا في دراسته للظواهر الانسانية
و قد تناول عده ظواهر في كتابة ووقائع في التاريخ الانساني و التي تم استنتاج نتيجة وظفت في غرض معين ما , بعيد كل البعد عن الحقيقة ... فقام بنقض الحوادث او الظواهر ووضعها في سياقها التاريخي و الانساني و حاول رصد كل العوامل التي كانت محيطة بالظاهرة قيد الدراسة حتي انه وصل الي نتائج مختلفة تماما عن المعتقدات السادئة في الوجدان الغربي

فنجد في الكتاب اثنا عشر فصلاً , تناول ظواهر مثل " الجماعات الوظيفية مقدمة نظرية - ثم في الفصل الذي يليه دراسة تطبيقية " ثم في الفصل الثالث تناول قضية الماشيح و المشيحانية في العقيدة اليهودية ... و الفصل الرابع يتناول : الحسيدية و الصهيونية و مدي التشابه بينهما ... و الخامس يدحض مصطلح : معاداة السامية ... اما في الفصل السادس نجده يتناول ظاهرة معاداة اليهودية التي يزعم اليهود انها متأثلة بدون سبب واضح في الوجدان الاوروبي و يفكك ثالاث حالات شهيرة في التاريخ الغربي ( تهمة الدم - دريفوس و الصراع بين الكنيسة و القوي العلمانية - واقعة ليو فرانك ) .... اما في الفصل السابع فيفند المزعم الذي يقول " بالعبقرية اليهودية " و ان هذا المزعم ينزعهم من السياق الانساني سواء كان التفوق او العبقرية في العلوم او في الشر ... و في الفصل الثامن يتناول واقعة قلعة الماساداه , و يضعها في تاريخها المركب بدلا من الاسطورة الاختزالية التي تحيط بها و تنزعها من الزمن و المكان و التاريخ و كل الظواهر الانسانية المصاحبة ... اما في الفصل التاسع فيتناول مزاعم اليهود و يحاول تفسير " الابادة النازية لليهود " و يقول انها نتاج طبيعي للحضارة و اسلوب التفكير الغربي و ليست ظاهرة دخيلة عليها ... و يبتعد بعد ذلك عن اليهود و الصهيونية بشكل مباشر و يوسع مجال الدراسة اكثر ليشمل في الفصل العاشر محاولة لتفسير " حملات الفرنجة كما نسميها او الصليبية كما يسمونها هم " ...وة في الفصل الحادي عشر بتناول موضوع شائك و غامض و هو " الماسونية " .... اما في الفصل الثاني عشر و الاخير ... فينفرع الي موضوع ثقافي تماما و يتناول دراسة " المتاحف و الذات القومية " و هي دراسة غنية و مهمة فعلا

و بعد استعراضنا للكتاب و الدراسة المركبة للانسان و تناول موضوعات عده لنطبق هذا المنهج عليها ... نأتي للملحقات في الكتاب ....و في رأيي ان الملحقات لا تقل اهمية عن الكتاب نفسه ان لم تكن اهم منه في الناحية النظرية ... لانها ترسم ملاحم فكر الدكتور و توضح اسلوبه بشكل نظري و تبين المنهج المتبع بدقة في دراستة للظواهر الانسانية ( حتي انه ينصح القارئ في ان يبدأ بها و هذا ما فعلته و كانت النتيجة غاية في التشويق و الجمال )
فالملحق الاول يبين بعض المفاهيم الفكرية... و يشرح الدلالات المقصودة منها و يكثر من استخداتمها في كتاباته في هذا الكتاب بشكل خاص و في كل منهجه الفكري بشكل عام فهو بداية يقارن ما بين الطبيعي و الانساني ... و يسرد الفوارق بينهما و يضحد فكرة ان الانسان جزء من الطبيعة و تسري عليه كل القوانين الدكتور التي تسري علي الطبيعة دون استثناء .... فهو علي حد قول ليس صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية تعكس الواقع كله بحذافيره و كأنها اله فوتوغرافيه , ولكنه عقل يبقي و يستبعد و يهمش و يركز و هو مستقر كثير من الخبرات و المنظومات الاخلاقية و الرمزية و مستودع كثير من الصورة و الذكرايات المخزونة في الوعي و اللا وعي , لذلك فهو عقل مبدع له مقدرة توليدية .
و هي " الموضوعية المادية المتلقيه ... و هذا التصول ينطلق من ان العقل الانساني عبارة عن صفحة بيضاء فوتوغرافية يتلقي كل شئ دون وعي و بمنتهي الحياد و ان القانون العام الذي يسري علي الطبيعة يسري علي الانسان هو ايضا دون اي حيود !!!و هذا يعني ان ادراك جميع البشر لنفس الظاهرة هو ادراك واحد و لا يختلف عليه اثنان و هذا غير حقيقي بالفعل , و ان تطورنا لما هو ابعد من ذلك , نجد ان الموضوعية المادية المتلقية تلغي فكرة الغاية و القصد و الهدف , فهي افكار مرتبطة بالظاهرة الانسانية وحدها ...فالطبيعة كما نرصدها لا تعرف لا قصد ولا غاية ولا هدف ... و من هذا المنطلق تم الحديث عن حيادية العلم ( اي انه لا فارق بين العلم الطبيعي التي تدرس و بين العلوم الانسانية التي تدرس الظواهر الانسانية ) و نجد ان تلك المادية المتلقية تحول الي ببغائية ...فتم تمرير تحيزات مختلفة بحسبانها رؤية محايدة عالمية ... و تم هدم الابداع و الخصوصية و الهوية و في نهاية الامر تم استبعاد الفاعل الانساني ....
بعد قرائتي لهذا الجزء الخطير ( او ربما نستطيع ان نقول انه الاخطر علي الاطلاق في الكتاب ) تسائلت : نظراً لانهم همشوا او تجاهلوا الطبيعة الانسانية التي تتناول الموضوع الواحد من اكثر من وجة نظر ... فقد قاموا بفرض وجة نظر واحدة علي الموضوع و زعموا انه هذه وجة النظر هي وجة نظر عالمية ... فمن هو الذي سيفرض وجهة نظره و رؤيتة الانسانية الخاصة ليجعلها قانون عام لا يقبل النقاش و يعطي من ارائة صفة الموضوعية المادية المتلقية ؟؟؟؟
لم اكد انتقل الي العنوان التالي حتي تمت الاجابة عن تساؤلاتي و استنتاجاتي
فالتبعية الادراكية فهو يقول و يرصد ان الخطاب التحليلي العربي سقط في هذا الفخ , و اصبح نقله للاحداث و الوقائع هو نقل و قبول بما هو قائم ... و تجاهل تماما وجه نظرنا نحن و هو ما يسمي ب" امبريالية المقولات " اي ان تقوم احدي القوي بتحديد النماذج المعرفية و المقولات التحليلية الاساسية بطريقة تعكس ادراكهم للواقع و تخدم مصالحهم و تستبعد ادراك الاخرين و تهمل مصالحهم ... نحن نطرح الاسئلة التي يرحونها عن حضارتهم و من منظورهم , اي اننا ندرك الحضارة الغربية لا بشكل مباشر و نما كما يشاء لنا اصحابها إدراكها . بل اننا بدأنا ننظر لانفسنا من خلال المقولات التحليلية لعالم الغرب و نماذجة الادراكية . لذلك بدأ الانسان العربي يري نفسة متخلفا مهما بذل من جهد و مهما انتج من روائع , و بدأ يحكم علي نفسه بالهزيمة في المعركة قبل دخولها .... و في الواقع ان التبعية الادراكية ليست تبعية اقتصادية فحسب , و انما هي بالاساس تبعية عميقة كامنة تتغلغل في اسلوب الحياة و في رؤية الذات و رؤية الاخر .و من معالم تلك التبعية اننا نفشل في ان نسمي الاشياء و نترك الآخر يصفها لنا , لكنه يسميها و يصنفهعا و يضعها داخل خريطة إدراكية كبري تنبع من ادراكه و مصالحه . فاننا نتحدث عادة عن المسألة الشرقية و عن رجل اوروبا المريض ( مما يجعلنا ننظر الي الدولة العثمانية ( التي كانت ,برغم ضعفها و استبدادها , تحمي شعوبها من الهجمة الاستعمارية الغربية التي عصفت بالعالم اسره ) فننظر اليها بحسبانها رجلا مريضاً و ننسي " رجل اوروبا النهم المفترس " اي الامبريالية الغربية التي كانت تبيد كسان افريقيا آنذاك بعد ان كانت قد ابادت اعداد هائلة من كسان الامريكيتيت الاصليين , بعد ان ابادت سكان استراليا و نيوزيلاندا , و التي كانت تقوم باستبعاد سكان آسيا و تخوض حرباً لتسويق الافيون في الصين لنشر التقعدم في ربوعه . و قس علي ذلك كثيرا من المسطلحات التي نتداولها و هي تأصل لنموذجهم و تتجاهل نموذجنا
النماذج الادراكية و التحليلية و المعرفية : يعرف الدكتور المسيري النموذج بانه : بنيه تصورية يجردها العقل البشري من كم هائل من العلاقات و التفاصيل التي يراها غير مهمة في رأيه و يستبقي البعض الاخر المهم و يعيد ترتيبها بحيث تصبح من وجهة نظرة مترابطة بشكل يماثل العلاقات الموجودة بالفعل بين عناصر الواقع . ... و هذا يقودنا لمفهوم " الخريطة الادراكية " و هي الطريقة التي ينظر بها المرء الي واقعة ...فيستبعد بعض المعلومات التي قد لا يري ان لها اهمية و يستبقي حقائق اخري يستخلص منها طريقة رؤيتة هو للواقع . و يضرب الدكتور مثلا بسيطة عندما تريد ان تنقل صحيفة عربية خبرا عن صحيفة اجنبية " فتقول في صفحتها الاولي خبر عن اصطدام قطارين في الهند و راح ضحيته ما يزيد عن مائة قتيل ... و في الصفحة الاخيرة تنقل خبر جاء فيه ان ثلث اطفال انجلترا الذين ولدوا في ذلك العام غير شرعيين . ... الصحيفة العربية قامت بالنقل الموضوعي بشكل متلقي ببغائي جعلها تتبني وجة النظر الغربية دون ان تمرره علي ثقافتها و خصوصيتها العربية ( الخريطة الادراكية التي تدرك من خلالها الواقع ) ... فهي لم تزيف الحقيقة و لكن السؤال الذي يطرح نفسه ... لماذا ابرز الخبر الاول في الصفحة الاولي و وضع الخبر الثاني في الصفحة الاخيرة ؟؟؟ اي ما هي الخريطة الادراكية الكامنة وراء تصنيف الخبرين ؟؟؟ فالخريطة الادراكية الغربية تطل علينا ... ففي الخبر الاول " حادث القطارين " يدر علي فشل تكنولوجي ... كما انه يقع في رقعة الحياة العامة فهوه فشل حقيقي و مهم ابرازة في الرؤية الغربية ... اما الاطفال الغير شرعيين فهم نتيجة عن فشل اخلاقي و يقع في رقعة الحياة الخاصة ... لذلك فهو غير مهم بالمرة و يتم تهميشه... خاصة ان الاسرة اصبحت مؤسسة غير مهمة في العالم الغربي . و للاسف يتبني كثير من الاعلاميين العرب النماذج المعرفية التحليلية و التصنيفية بدون وعي و بدون ارداك للتضمينات الفلسفية و التحيزات الخلاقية لتلك النماذج
النماذج الاختزالية : تعريفها و سر شيوعها :..و يتحدث الدكتور و يفسر المعضلة الغير منطقية ... لانه اوصلنا الي ان النماذج الاختزالية لا تفسر الواقع بشكل صحيح , الا انها منتشرة لعدة اسباب " يقول لان عملية نحت النماذج المركبة من التفكيك و اعادة التركيب عملية صعبة للغاية تتطلب جهدا ابداعيا و توليديا خاصة ...فنحن في تلك النماذج لا نكتفي برص الحقائق رصا ً و لكن لابد ان استبعاد البعض و التركيز علي البعض لاستنتاج الحقيقة ... و هناك فارق جوهري ما بين الحقائق ( مجرد رصد فوتوغرافي آلي لظاهرة ما ) و ما بين الحقيقة ( و هي الصورة المتكاملة التي تتكون من تجميع الحقائق بشكل عاقل وواعي و هي عمليه عقليه توليدية بحته ) .... كما انه يقول ان النموذج الاختزالي للاسف هو النموذج السائد في الصحافة و الاعلام لان تلك المنابر لا مساحة لها من الوقع او الجهد كي تنظر نظرة عميقة في الوقائع التي يكتب عنها ... و من ضمن وسائل اختزال المعلومات ايضا انتشار الصورة لانها منغلقة علي نفسها و توصل رسالتهخا لشكل مباشر الي وجدان الانسان العادي فلا تتيح له اي فرصة للتأمل و التفكير ( و لكني ايضا اختلف معه في تلك النقطة لان الصورة قصرت مسافات كثيرة و لكن لا ينبغي ان نعتمد عليها وحدها في الرصد ) كما انه يقول ان ايقاع الحياة السريع لم يعد يسمح باي فرصة للتأمل و التفكير و التباحث بعمق .
تلاتة نماذج اساسية ( الحلولية - العلمانية الشاملة - الجماعات الوظيفية , و تلك النماذج قد تمت الاشارة المستفيضة اليها في كتب مستقله بذاتها و كلها تقوم علي مبدا الاختزال و دراسة و التعامل مع الانسان باعتبارة ظاهرة طبيعية لا ظاهرة انسانية
و في النهاية يضرب بالاتفاضة فهي مثال لنموذج التكامل الغير عضوي .... ( غير عضوي =غير طبيعي = انساني ) و هي آتية من ثقافة مغايرة عن الثقافة الغربية تماما تتعامل مع الانسان علي انه ظاهرة انسانية لا ظاهرة مادية ... و هي الحضارة العربية الاسلامية .... و يضرب مثلا علي هذا التعامل الراقي مع الظاهرة الانسانية بهذاالمثال الرائع
فهو يتناول الحديث الشريف " مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد , اذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الالاعضاء بالسهر و الحمي )فهو يقول انه علي الرغم من انه استخدم الجسد و هي صورة عضوية , فان بنيه المثال غير عضوية , نظرا لاستخدام اداة التشبيه التي تحتفظ بمسافة ( او ثغرة ) بين طرفي التشبية و تقلل من عضوية المجاز و تمنع تأيقنه ( اي اختزاله في جانب واحد فقط ) فألمؤمنون في توادهم و تراحمهم ليسوا جسدا انما هم مثل الجسد و حسب . و اداة التشبية تخفف من حدة الترابط و تدخل قدرا من الترابط الفضفاض غير الصلب ... و يمكننا ان نضرب عشرات الامثلة الاخري من القران و اسنة و التراث الديني و غير الديني علي فكرة الترابط الغير عضوي الفضفاض ... و اعتقد ان هذا ما يميز او يعتبر سمة اساسية تجعل ثقافتنا ذات خصوصية معينة و مختلفة تمام الاختلاف عن الثقافة الغربية التي تروج للنموذج احادي الجانب و الذي ينكر الجانب الانساني في الانسان و يتعامل معه علي انه جزء لا يتجزأ من الطبيعة فقط .

ثم يتناول في الملحق الثاني شرح للمصطلحات التي يستخدمها و ما هو المقصود منها

....ولا اعتقد ان المجال يتسع لذكر كل المصطلحات هنا , فاستعراضص هذا الكتاب جاء للتركيز علي الجوانب الاكثر اهمية و عمل عرض تشويقي لمحتوي هذ1ا الكتاب مع القرار بأن كل ما يكتبه الدكتور المسيري من الاهمية بحيث تكون مهمة التلخيص مع الالمام بكل الجوانب صعبة للغاية و عليه فانها جولة سريعة جدا - و اتمني ان لا يكون اختصاري لهااختزال منقوص - في فكر دكتور عميق لم يأخذ حقه من التقدير و ان كان ابلغ تقدير هو ان نتدارس علمه و ننشره حتي لا يضيع هذا المنجم الفريد الغني من الافكار ...


وفقنا الله و اياكم لما فيه الخير للعالمين
شمس الدين 6- ابريل 2010