Wednesday, December 30, 2009

الطب الاكلينيكي ... ساعة عدل واحدة



روادتني في فترة انه لماذا لن تكتب مسلسلات طبية علي غرار ما يحدث في الخارج و لكن يكون التناول مصري بحت و يمكننا ان نوصل فيه رسالة ما .... طبعا تبخر هذا الامر عندما قرأت في تاريخ الطب المعاصر المصري

الغلاف الاسود للكتاب فعلا مناسب للغاية للحالة التي يمكن ان يقرأ بها اي انسان مصري هذا الكتاب , انه تأريخ حي لواقع مر عليه اقل من قرن من الزمان ... لا داعي للاطناب و لنجعل التعليق مجملا في النهاية


يحكي دكتور سيسل عن كيفيه قدومة للتدريس في طب القاهرة ( قصر العيني ) , تقدم لهذه الوظيف في اكتوبر عام 1936 , و قيل له انه عقد لمدة خمس سنوات قابله للتجديد , و لكن ما ان قبل تعيينه اخبروه انها غير قابله للتجديد !!! و عندما رفض و اخبر كليته بهذا الامر اخبروه انه ان رفض الوظيفة سوف يعينون مصريا و هم لا يرون ان كناك مصريين اكفاء لنيل منصب مدرس الطب الاكلينيكي ( يعني مجازا عملي الطب ) و انتظر مراسلات من عميد كليه طب القاهرة .... و فوجئ انه مرت اسابيع و شهور و لم يحدث شئ !!!!!

بعد سته اشهر كامله من المراسلات المستمرة وصله خطاب من عميد طب القاهرة ( علي ابراهيم باشا ) بضرورة حضورة للقاهرة فورا ( وصل القاهرة في 28 مايو 1937) يقول انه لم يتحمل حرارة جو القاهرة الخانق حتي انه يذكر انه يضطر لتغيير ملابسة الداخلية 4 مرات اثناء النهار و مثلهم في الليل !!!!! ( لم تكن التكييفات كانت قد ظهرت بالطبع ) و يقول ان الطبقة المرفهة في مصر كانت تهرب من حرارة الجو و يقضون اشهر الصيف في اوروبا , و لكنه قرر ان لا يضيع اي وقت و ليبدأ التدريس في الحال

قيل له ان دكتور علي ابراهيم باشا انه من اعظم الرجالات المصريين و نفوذه بلا حدود و محبوب من الجميع لبراعته الجراحية

يقول انه وجد مفاجئة سارة و غريبة , ان هؤلاء الشباب ( طلبة كلية الطب ) كانوا فعلا ممتازين و مماثلين لمن كنت ادربهم في مستشفي سانت ماري و اثنين بارعين , و كان هناك تناغم تام بيني و بين كل الطلبة باستثناء طالب واحد عرفت فيما بعد انه ابن عميد الكلية ... كان خلوق و مهذب و لكنه لم يكن يهتم بالطب الاكلينيكي لانه كان يريد فيما يبدوا ان يصبح مثل ابيه جراحاً .... و في نهاية الفصل الدراسي دفعه الاهتمام ان يكتب للعميد عنه , مخبرا اياه بان ابنه سيواجه مصاعب في اجتياز الامتحان النهائي ان لم يبدي اهتمام اكثر بالدراسة ... و يقول ان هذه كانت غلطة العمر بالنسبة له .... فلم يستوعب العميد مقصده النبيل و بدا كأنه رافض تماما لاي كلمة نقد توجه لاحد افراد عائلته .


يقول انه عندما تأمل احوال الطلبة وجدهم جيدين للغاية و لكنهم لم يأخذوا اي تعليم حقيقي عملي فهم لا يعرفون اي مستحدثات في الطب , ولا يكادون يعرفوا طرفي السماعة ,,, و يقول الدكتور انه كان لابد له من بذل اهتمام اكثر مع هؤلاء ... يذكر ان احد المدرسين حديثي التخرج يقول انه اثناء دراستة بكليه لم تتح له ابدا فرصة دراسة الطب الاكلينيكي علي الجسم البشري , و لكن كل المعلومات التي حصل عليها كانت عن طريق الرسوم التي تنقش علي السبورة في احد ممرات قصر العيني

كان يقول لهم في الطب انه لا فارق بين الباشا و الفلاح و لابد ان يتعاملون من الجميع علي انهم اباء او اخوة او اخوات او امهات او ابناء او بنات لهم ... لان جسم الانسان هو معبد الاله الحي , لابد ان ننظر اليه و نعامله علي انه مخلوق مقدس .... و يقول انه في مرة بعد انتهاء المحاضرة جائة طالب و سئله لماذا لم يعلموننا من قبل ما تقول ؟؟؟هناك ما يؤكد اقوالك من نصائح رسول الاسلام الذي قال ليس مؤمنا من لا يحب لاخية ما يحب لنفسه "

يقول ان لكل شئ رتم و نغمة فكل صوت داخل جسم اتلانسان له ايقاعة الذي يميزه و لو حدث به عطب لتغيرت نبرة الصوت ... و ان لم تتمكن من التعغرف علي التغيير في تلك النبرات لن تتمكن من معرفة الداء و تشخيصة بشكل سليم و بالتالي لن تصف الدواء السليم


يقول الدكتور ,,, ان الطالب المصره له ميزة تفضل علي الطالب الاوروبي , له ذاكرة ممتازة , هذا يعود الي اجدادة الذين كانوا يحفظون القران شفاها, و يحفظونة من البداية الي النهاية عن ظهر قلب ... و لكن للاسف يبدوا ان مركز الذاكرة في ذهن الطالب نمى علي حساب قدرته علي تحكيم المنطق و كيفية الاستخدام العلمي المعلومة التذ ايتذهرها في ذاكرته العجيبة ... الصعوبة تنشأ من محاولتك كأستاذ ان تجعل الطالب يفكر و يمنق الاشياء , انهم يتوقعون دائما ان يقوم الاستاذ باستخدام ملعقة يسقيهم بها العلم ليحصلوا علي اكبر قدر من المعلومات باقل جهد ... يقول ربما لانهم كانوا محكومين منذ قرون كعبيد , ربما هذا قتل لديهم الابداع و الطموح و القدرة علي الاطلاع , علاوة علي ان مناهج الطب متأخرة اربعين عام علي الاقل مقارنة بنظيرة الاوروبي
( اربعين عام منذ 70 عام ... اعتقد ان الفارق تضاعف للغاية هذه الايام و ما نفعله في كلياتنا هو بعيد عن الطب الحديث ) و لكن ما اعجبني برغم كل هذا ان الرجل متفائل , فهو يقول ان القدرات العقلية تتساوي مع الرجل الاوروبي , و انه بعد جيلين فان مستوي حضارتهم - يقصد مصر - ستتساوي مع احسن ما في الجنس الساكسوني الانجليزي ...

يذكر ايضا اننا فقط نفتقر الي دليل اخلاقي ثابت ... و لكنه يقول ان القران الكريم يرسي قواعد سليمة للاخلاق و القيم , و انها اذا اتبعت بدون التواء , سوف تنفي عن العرب ما يؤخذ عليهم من تصرفات غير سوية .....القانون الايماني ينص علي عبادة الله و رسولة و اقامة الشعائر و الحث علي الكرم و تقديم الزكاة و حفظ العدل و الرحمة و هو دائما مستعد لكسر تلك التعاليم كأنه غصن شجرة مشمش . فالضعف الاخلاقي لا يعود لفشل الاسلام و لكن بسبب اخفاقهم في اتباع تعاليمه .


يقول انه رسم علي جدار غرفته رسمتين ..." كتاكيت تنبش في الارض و عصافير صغيرة تنتظر في العش و تفتح فمها منتظرة للطعام " يقول ان الكتاكيت هي الطلبة الناجحة التي تفتش و تنبش و تبحث عن المعلومات , و صغار العصافير هم الطلبة الفاشلين الذين لا يريدون بذل اي مجهود فيما يتلقون ... و يقول ان الفكرة اعجبت للغاية الكلبة و طلبوا منه ان ينشروا تلك الصورة في مجلة الحائط و هو يقول ان هذه بادرة طيبة لانهم وضعوا ايديهم علي الخلل الموجود لديهم و سوف يعالجونه قريبا


يذكر ايضا ان هناك خاصية عجيبة لاحظها , انه عندما يذهب لفحص مريض عنده لغط في القلب مثلا يتجمع الطلبة حوله و يبدون عظيم الاهتمام , و ما ان يتركهم ليتفحصوا المريض و لو لربع ساعة يعود ليجدهم في الشرفة يتحدثون و لم يعرف ابدا فيما يتكلمون ... و يقول ان الطالبات يبدين اهتمام اكثر من الطلبة في الدراسة و تقصي الحالات اكثر من الطلبة , و هو شئ ادهشه كثيرا

ينتقد في وسط كلامه الاحوال السياسية للبلاد و حقا لا اجد ابدع من تلك العبارة لاختم بها الفصل الثاني من التلخيص

" طبقة البشاوات الغنية تتحكم في البلاد تماما , حكومة الوفد التي يرأسها النحاس باشا من المفترض ان تكون ديمقراطية و لكن بسبب الجهل و نقص التعليم اصبحت هذه الحكومة ديكتاتورية , فالنحاس باشا هو الحكومة .... الانتخابات في مصر ليست كذلك الا بالاسم فقط فالغصب و الرشوة منتشرين بشكل بشع , و اثناء انتخابات 1941 لم يدل خدمي او ممرضي المستشفي باصواتهم . قالوا انهم خائفين من الرجال المنصبين امام كل دائرة يراقبون اذا ادلي احد الناخبين بصوتة ضد الوفد فانه باشارة صغيرة تصدر لمجموعة من البلطجية خارج المكان يتلقي علقة ساخنة لن ينساها طوال حياته . "

3 comments:

رجل من غمار الموالى said...

عرض رائع لكتاب رائع جداً
يا رييت نحاول نستفيد منه
...
تحياتى

ebn roshd 777 said...

اختيار موفق جدا وخاصه ان شهاده هذا الرجل علي هذه الحقبه من تاريخ مصر
يصعب جدا الطعن في حيادها وموضوعيتها

شــــمـس الديـن said...

اتمني ان تستطيعوا اقتناء الكتاب
اللي قري غير اللي سمع الملخص :)